الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.مقتل إسمعيل واستيلاء حسين على بغداد ثم ارتجاعها منه. كان إسمعيل مستبدا على الشيخ علي ببغداد كما قدمناه فتوثب به جماعة من أهل الدولة منهم مبارك شاه وقنبر وقرا محمد فقتلوه وعمه أمير أحمد منتصف إحدى وثمانين واستدعوا قنبر علي بادك من تستر فولوه مكان إسماعيل واستبد على الشيخ علي ببغداد ونكر حسين عليهم ما آتوه وسار في عساكره من توريز إلى بغداد ففارقها الشيخ علي وقنبر على بادك إلى تستر واستولى حسين على بغداد واستمده فاتهمه بممالأة أخيه الشيخ علي ولم يمده ونهض الشيخ علي من تستر إلى واسط وجمع العرب من عبادان والجزيرة فأجفل أحمد من واسط إلى بغداد وسار الشيخ علي في أثره فأجفل حسين إلى توريز واستوسق ملك بغداد للشيخ علي واستقر كل ببلده والله تعالى أعلم..انتقاض أحمد واستيلاؤه على توريز ومقتل حسين. ولما رجع حسين من بغداد إلى توريز عكف على لذاته وشغل بلهوه واستوحش منه أخوه أحمد فلحق بأردبيل وبها الشيخ صدر الدين واجتمع إليه من العساكر ثلاثة آلاف أو يزيدون فسار إلى توريز وطرقها على حين غفلة فملكها واختفى حسين أياما ثم قبض عليه أحمد وقتله والله تعالى يؤيد بنصره من يشاء من عباده..انتقاض عادل ومسيره لقتال أحمد. كان الأمير عادل واليا على السلطانية وكانت من أقطاعه فلما بلغه مقتل حسين امتعض له وكان عنده أبو يزيد بن أويس فسارا إلى شجاع بن المظفر اليزدي صاحب فارس يستصرخانه على الأمير أحمد بن أويس فبعث العساكر لصريخهما وبرز الأمير أحمد للقائهم ثم تقاربوا واتفقوا أن يستقر أبو يزيد في السلطانية أميرا ويخرج الأمير عادل عن مملكتهم ويقيم عند شجاع بفارس واصطلحوا على ذلك وعاد أبو يزيد إلى السلطانية فأقام بها وأضر أمراؤه وخاصته بالرعايا فدسوا الصريخ إلى أحمد بتوريز فسار في العساكر إليه وقبض عليه وكحله وتوفي بعد ذلك ببغداد..مقتل الشيخ علي واستيلاء أحمد على بغداد. لم قتل أحمد أخاه حسينا جمع الشيخ علي العساكر واستنفر قرا محمد أمير التركمان بالجزيرة وسار من بغداد يريد توريز فبرز أحمد للقائه واستطرد له لما كان منه فبالغ في إتباعه إلى أن خفت عساكره فكر مستميتا وكانت جولة أصيب فيها الشيخ علي بسهم فمات وأسر قرا محمد قتل ورجع أحمد إلى توريز واستوسق له ملكها ونهض إليه عادل ابن السلطان أبي سعيد يروم فرصة فيه فهزمه ثم سار أحمد إلى بغداد وقد كان استبد بها بعد مهلك الشيخ علي خواجا عبد الملك من صنائعهم بدعوة أحمد ثم قام الأمير عادل في السلطانية بدعوة أبي يزيد وبعث إلى بغداد قائدا اسمه برسق ليقيم بها دعوته فأطاعه عبد الملك وأدخله إلى بغداد ثم قتله برسق ثاني يوم دخوله واضطرب البلد شهرا ثم وصل أحمد من توريز وخرج برسق القائد لمدافعته فانهزم وجيء به إلى أحمد أسيرا فحبسه ثم قتله وقتل عادل بعد ذلك وكفى أحمد شره وانتظمت في ملكه توزير وبغداد وتستر والسلطانية وما إليها واستوسق أمره فيها ثم انتقض عليه أهل دولته سنة ست وثمانين وسار بعضهم إلى تمر سلطان بني جفطاي بعد أن خرج من وراء النهر بملكه يومئذ واستولى على خراسان فاستصرخه على أحمد فأجاب صريخه وبعث معه العساكر إلى توريز فأجفل عنها أحمد إلى بغداد واستبد بها ذلك الثائر ورجع تمر إلى مملكته الأولى وطمع طغطمش ملك الشمال من بني دوشي خان في انتزاع توريز من يد ذلك الثائر فسار إليها وملكها زحف تمر في عساكره سنة سبع وثمانين إلى أصبهان وبعث العساكر إلى توريز فاستباحها وخربها واستولى على تستر والسلطانية وانتظمهما في أعماله وانفرد أحمد ببغداد وأقام بها..استيلاء تمر على بغداد ولحاق أحمد بالشام. كان تمر سلطان المغل بعد أن استولى على توريز خرج عليه خارج من قومه في بلاده يعرف بقمر الدين فجاءه الخبر عنه وأن طغطمش صاحب كرسي صراي في الشمال أمده بأمواله وعساكره فكر راجعا من أصبهان إلى بلاده وعميت أنباؤه إلى سنة خمس وسبعين ثم جاءت الأخبار بأنه غلب قمرالدين الخارج عليه ومحا أثر فساده ثم استولى على كرسي صراي وأعمالها ثم خطى إلى أصبهان وعراق للعجم والري وفارس وكرمان فملك جميعها من بني المظفر اليزدي بعد حروب هلك فيها ملوكهم وبادت جموعهم وشد أحمد ببغداد عزائمه وجمع عساكره وأخذ في الاستعداد ثم عدل إلى مصانعته ومهاداته فلم يغن ذلك وما زال تمر يخادعه بالملاطفه والمراسلة إلى أن فتر عزمه وافترقت عساكره فنهض إليه يغذ السير في غفلة منه حتى انتهى إلى دجلة وسبق النذير إلى أحمد فأسرى بغلس ليلة وحمل ما أقلته الرواحل من أمواله وذخائره وخرق سفن دجلة ومر بنهر الحلة فقطعه وصبح مشهد علي ووافى تمر وعساكره دجلة في حادي عشر شوال سنة خمس وتسعين ولم يجد السفن فاقتحم بعساكره النهر ودخل بغداد واستولى عليها وبعث العساكر في إتباع أحمد فساروا إلى الحلة وقد قطع جسرها فخاضوا النهر عندها وأدركوا أحمد بمشهد علي واستولوا على أثقاله ورواحله فكر عليهم في جموعه واستماتوا وقتل الأمير الذي كان في إتباعه ورجع بقية التتر عنهم ونجا أحمد إلى الرحبة من تخوم الشام فأراح بها وطالع نائبها السلطان بأمره فسرح بعض خواصه لتلقيه بالنفقات والازواد وليستقدمه فقدم به إلى حلب وأراح بها وطرقه مرض أبطأ به عن مصر وجاءت الأخبار بأن تمر عاث في مخلفه واستصفى ذخائره واستوعب موجود أهل بغداد بالمصادرات لأغنيائهم وفقرائهم حتى مستهم الحاجة وأقفرت جوانب بغداد من العيث ثم قدم أحمد بن أويس على السلطان بمصر في شهر ربيع سنة ست وتسعين مستصرخا به على طلب ملكه والانتقام من عدوه فأجاب السلطان صريخه ونادى في عسكره بالتجهيز إلى الشام وقد كان تمر بعدها استولى على بغداد زحف في عساكره إلى تكريت مأوى المخالفين وعش الحرابة ورصد السابلة وأناخ عليها بجموعه أربعين فحاصرها حتى نزلوا على حكمه وقتل من قتل منهم ثم خربها وأقفرها وانتشرت عساكره في ديار بكر إلى الرها ووقفوا عليها ساعة من نهر فملكوها وانتسفوا نعمها وافترق أهلها وبلغ الخبر إلى السلطان فخيم بالزيدانية أياما أزاح فيها علل عساكره وأفاض العطاء في مماليكه واستوعب الحشد من سائر أصناف الجند واستخلف على القاهرة النائب سودون وارتحل إلى الشام على التعبية ومعه أحمد بن أويس بعد أن كفاه مهمه وشرب النفقات في تابعه وجنده ودخل دمشق آخر جمادى الأولى وقد كان أوعز إلى جلبان صاحب حلب بالخروج إلى الفرات واستنفار العرب والتركمان للإقامة هناك رصدا للعدو فلما وصل إلى دمشق وفد عليه جلبان وطالعه بمهماته وما عنده من أخبار القوم ورجع لإنفاذ أوامره والفصل فيما يطالعه فيه وبعث السلطان على أثره العساكر مددا له مع كمشيقا الأتابك وتكلتمش أمير سلاح وأحمد بن بيبقا وكان العدو تمر قد شغل بحصار ماردين فأقام عليها أشهرا وملكها وعاثت عساكره فيها واكتسحت نواحيها وامتنعت عليه قلعتها فارتحل عنها إلى ناحية بلاد الروم ومر بقلاع الأكراد فأغارت عساكره عليها واكتسحت نواحيها والسلطان لهذا العهد وهو شعبان سنة ستمائة وتسعين مقيم بدمشق مستجمع لنطاحه والوثبة به متى استقبل جهته والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق بمنه وكرمه.
|